– Here is the second presentation:
شكرًا يا صديقي، وشكرا لكم على حسن الضيافة وعلى إتاحة لي فرصةٍ أتشرف بها.
قبل المحاضرة، انوي وديا ان اقترح على الأخوة في وكالة أنباء البحرين تصحيح التصريحات التي نسبت إلي في بيانٍ صادرٍٍ أمس. فالوثيقة تزعم أنني قد صرحت في خطاب ألقيته مساء الأربعاء أن “المملكة ماضية بثبات نحو تحقيق الإصلاح السياسي الناجح.” وهذا البيان لم يصدر عني. أنا في بعثة لإعداد التقارير والأبحاث لدراسة عملية الإصلاح هنا في البحرين وفي اماكن أخرى في الخليج من أجل صياغة رؤية مستقلة، ومع انني آملٌ بكل تأكيد أن تمضي المملكة في طريقها نحو الاصلاح
كما يبدو أن البيان الصحفي قد أساء تفسيرَ ما أشعر به حول الطبيعة الأساسية للبحرين. لقد عشقت هذا البلد منذ سنوات عندما زرته لأول مرة وشعرت حقاً ان جمعا حاشدا من البشر في مكان صغير جدًا يؤمن بالتسامح والتعايش، والانفتاح على الشعوب والثقافات الأخرى. وها هنا الآن أرى الاشتياق الى بحرين التسامح ، بحرين التآخي، في عيون الكثير من مواطني هذا البلد.. ولكن لا أنتم ولا أنا يخفى علينا قوى الظلام، سواء داخل البلاد أو خارج حدودها، والتي تهدد دائمًا تحقيق دولة البحرين المثالية. وهذه القوى المعادية تحيط بنا الآن. وآمل أن يجتمع ويتكاتف البحرينيون وجميع الشعوب الذين يحبون هذا البلد معًا لمساعدتها على الحفاظ على تقاليدها القديمة من التسامح والتعايش، ونشرها في كل بلد شقيق.
وقد نسب البيان الصحفي للحكومة تصريحات وأفكار أخرى أيضا غير دقيقة إلي، ويمكن مناقشتها بشكل أكثر تفصيلاً، ولكن ليس هذا ما يجمعنا الان. فوكالة أنباء البحرين عليها مسئولية هامة يجب الالتزام بها في تقديم معلومات دقيقة عن البحرين إلى العالم في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد. وهذه المسؤولية الأكبر هي أكثر أهمية من التفاصيل الصغيرة في بيان معين. وأنا أول من يعترف بأن الخطأ من سمات الطبيعة البشرية.
اما بعد،
أحياناُ في واشنطن، يمكن لمناظرة بين منافسين سياسين أو مدارس فكرية متنافسة أن تكون لها عواقب واسعة في بلدان آخرى. وقد برزت مؤخراً مثل هذه النقاشات بأهمية بالغة في منطقة الخليج بصورة عامة، وفي البحرين على وجه الخصوص.
بعد عامين من اضطرابات سقطت من خلالها عدة جمهوريات عسكرية ونجت منها جميع الأنظمة الملكية والإمارات، طَرَحَت بعض أبرز الأصوات السياسية في واشنطن السؤال التالي: هل ستخضع دول الخليج والأردن والمغرب لثورات خاصة بها؟
من فضلكم لا تغضبوا مني لتكراري لهذا السؤال الذي سمعته من أمريكيين كثيراً جداً. عندما أرى أناساً بعيدون عن هنا يناقشون هذا الأمر بنوع من الهزل والتسلية، فإن هذا يجعل دمي يُغلي. فقد مضيت سنوات بين دول الخليج وأشقاءها وأسمع في صوت مواطن خليجي صدى طفولتي في مطبخ والدتي العراقية. وهناك أناسٌ في كل بلدٍ في المنطقة أعتبرهم أخوة لي، والسؤال المطروح بالنسبة لهم قد تنطوي عليه الحياة والموت.
على أية حال، هناك نوعان من المدراس المتنافسة فكرياً فيما يتعلق بهذا السؤال الملتهب. تدعي إحدى المدرستين أن الأمر لم يكن مصادفةً أن تكون جميع الأنظمة التي سقطت هي جمهوريات عسكرية، لأنها بطبيعتها كانت أقل استقراراً، وكانت تفتقر إلى المصداقية عند شعوبها، وكانت قد وعدت بتقدمٍ حضاريٍ وانتصاراتٍ لم تتحقق. على النقيض من هذا، فإن الأسر الحاكمة العربية لم تكن لديها طموحات ثورية، واستمتعوا بقدر من الغلاف الشرعي والتقدير من قبل شعوبهم او اجزاء منها. فالأسرة العلوية االحاكمة في المغرب يعود تاريخها في السلطة عبر ٣ قرون، وقد اندمجت بعمق الى الفولكلور، والفن ، والنسيج الاجتماعي برمته. ومثل المغرب، فالأسرة البحرينية الحاكمة لها تراث عريق في البلد يعود لأجيال عديدة.
هذه أول مدرسة فكرية، وهي تتبنى معادلةً فحواها أن تصون وتدعم أمريكا الأنظمة الملكية العربية وتَعِدُهَا بالشراكة والمشورة. والذين منهم على وعي من وجود الفساد وانتهاكات حقوق الانسان وعدم المساواة في هذه الدول يقف ملتزما بدعم الاصلاح المنهجي — خوفا على بقاء النظام. النخب الأمريكية المنتمية إلى هذه الأفكار هي مجموعة كبيرة ومؤثرة من الناس، ولكنها ليست محتكرة للسلطة، ومنافسيها يمثلون هم أيضاً مجموعة ذات سمعةٍ وقدرات.
وتدعي المدرسة الفكرية الثانية أن الأنظمة الملكية العربية الناجية لم يكن بقاءُهم مسألة مصير، وإنما مسألة ظروف،اي، وجود مزيج من موارد النفط والغاز في بعض البلدان، وبالتالي علاقات تكافلية اقتصادية وسياسية مع الغرب،. إضافةً إلى ذلك، فقد كانت بعض الأنظمة الملكية الفقيرة فعالة في التعامل مع الولايات المتحدة كحليف أمني واستراتيجي. ولكن طبقاً لهذه المدرسة الفكرية، فإن هذه العوامل لن تكون كافية لحماية تلك الأنظمة من موجة من الاحتجاجات الثورية، سواء استُمِدَت من الطائفية أو الانقسامات الأيدلوجية، أو الإهانات الفردية، أو التمييز الاقتصادي والسياسي. لدرجة أن هناك كتابٌ جديد من تأليف الباحث البريطاني، كريستوفر ديفيدسون، الذي يحوز الاحترام في الولايات المتحدة،عنوانه هو: “ما بعد الشيوخ: الانهيار القادم لأنظمة الحكم الملكية في الخليج”. واسمه على كسمه، كما يقلون في لبنان.
.فإن الغرور من الطبيعة البشرية. وهكذا، بعد طرح الادعاء بأن الثورة قادمةٌ إلى الخليج، يلتزم هؤلاء الشخصيات بهذا الادعاء .
ويرتبطون به
و يريدون لتنبؤهم أن يصبح حقيقةً .
وبالتالي فهم الحلفاء الطبيعيون للحركات الثورية بمختلف توجهاتها والتي تتمنى أن تعيد تشكيل الكيفية التي يرى بها الأمريكيون بلادَهم.د
وفي الفراغ الهائل بين مدرستي التفكير هذين، — تقع السياسة الامريكية تجاه الخليج.
. فمقارنة بالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، حيث تُبني السياسة الخارجية على تخطيط منهجي بعيد المدى، فإن صناعة القرار الأمريكي تبدوا احيانا أكثر انفصاماً وعفوية.
إنها رد فعل.
وهي تتأثر بشكل كبير بالدورة الانتخابية والمدارس الفكرية المتنافسة التي تدعم المرشحين الرئاسيين المتنافسين. حتى خلال إدارة رئاسية معينة، فالتحول في التعيينات الوزارية يمكن أن يسبب تحولاً في السياسة.
نجد حتما الاستمراريات في السياسة الأمريكية، نتيجةَ مصالح، وقناعات ، والتزامات، ولوبيهات، الى آخره، ولكن هناك أيضاً ما يقع عرضة لأهواء
هيكل السلطة الأمريكية المائع.
و رأينا حتى في بعض القضايا، كيف يمكن لداهية أجنبي أن يزرع نفسه في واشنطن ويبني لنفسه ائتلافاً قوياً، يؤثر على السياسة عن طريق نشر معلومات خاطئة. نتأمل على سبيل المثال أحمد الجلبي، الذي لم يكن لأصدقائه في الولايات المتحدة خبرةً ببلد أمي – أو كان لديهم القليل منها. كما تعرفون، فإن السيد/ الجلبي، أقنع العديد من الأمريكيين في الإدارة وفي وسائل الإعلام بأن غزو العراق سيكون أمراً سهلاً، وأن العراقيين سيقابلون الأمريكان بالورود.
تتذكرون تلك الفترة، وكان الجلبي والاعلام كني الطلب والعصعوص.
البحرين من بين أنظمة الحكم الملكية العربية المعرضة لرياح التغيير الفكري في واشنطن. إنها عرضة لمدرسة فكرية قد بدأت بالفعل في التأثير على السياسة الأمريكية تجاه الأسرة الحاكمة والمعارضة. أعرف أن هناك جدل دائر في البحرين عن الجانب السياسي الذي تدعمه أمريكا في هذا البلد، وهناك العديد من النظريات، بما فيها نظريات المؤامرة السرية. بناء على ما سمعته انا، ، فإن إدارة الرئيس اوباما لا تميل لأي جانب، حيث أنها قد أُقنعت من قِبَل المعارضين للقيادة بأن الثورة ممكنة في البحرين، وترغب في أن يكون لها علاقة إيجابية بالمعارضة البحرانية في حال حدوث ثورة. ولكن الإدارة منفتحة أيضاً على إتاحة الفرصة للمملكة، وتبنت الاعتقاد بأن استمرارية المملكة على المدى الطويل، يعتمد على مدى تعزيز الاصلاحات. ويعتقد الأمريكان أن الضغط من قبل المعارضة من شأنه أن يدعم هذا الهدف. ومن احترام الادارة لحليفها،المملكة السعودية، فقد يحاول الأمريكان أحياناً الحد من الضغط، خاصة في وقت من التوتر بشأن برنامج إيران النووي. ولكن الادارة مائلة لضمان قدر من الحماية لهؤلاء الذين يعارضون القيادة في البحرين، على الأسباب الاخلاقية المعلن عنها التي تتعلق بحقوق الانسان والمبادئ الانسانية، وعلى اسباب براغماتية، والغير معلن عنها.
ومرة أخرى، أسألكم أن تسامحوني ولا تغضبوا مني. فأنا أعرض عليكم ما أراه
اما رأيي كمحلل، فمن طبيعة السياسات المزدوجة في اي مكان ان تؤدي الى تفاقم التوترات بدلا من سد الفجوة. .
. تجارب مصر وتونس الحالية تشير الى أن تداول السلطة من أحد المعسكرات الأيديولوجية إلى الأخرى لا تعني الديمقراطية. . وفي الوقت نفسه تبينت تجربة العراق أن تداول السلطة من طائفة إلى طائفة أخرى، لا يضمن المصالحة بين الطائفتين، بل على العكس. أينما توجد مرض الاستقطاب، فإن العلاج الوحيد في ذهني هو الإصلاح التدريجي لنشر مؤسسات المجتمع المدني، وللإنصاف والمصالحة، وسيادة القانون، بأسلوب يتيح الفرصة ويتجاوز الطائفية والاختلافات الأيديولوجية، ويحمي حقوق الأقليات. كما كتبت في كتابي الأول عن العراق، فإن هذا النوع من التغيير لا يحدث بين عشيةٍ وضحاها. إنه ليس مسألة أسابيع أو أشهر ولا حتى سنوات، ولكنه عملٌ يُنجزه جيلٌ على أقل تقدير. إنه أمرٌ يجب رعايته مع مزيج من الحزم والكياسة، والمشاركة العميقة مع مجموعة من القوى الثقافية والاجتماعية.
في زيارتي للبحرين هذا الأسبوع، صادفت بعض النشطاء المدنيين والاجتماعيين، الذين يعملون بكدٍّ لتحسين الموقف في البحرين، عن طريق تحقيق المصالحة الإنسانية بين الطوائف، وخدمة الناس المهمشين، والكفاح من أجل حقوق المرأة، وغير ذلك من الأهداف النبيلة. وللأسف فإن العديد من هؤلاء الناس الرائعين يشعرون بالإحباط، وبأنهم لا يحظَون بالدعم الكافي لعملهم. إنها ليست مجرد مسألة دعم مالي،: إنهم يفتقرون أيضاً الى التغطية الإعلامية هذا إن وجدت – لا تغطية أمريكية ولا دولية، وللأسف بالكاد تغطية إعلامية بحرينية. إذا قامت وسائل الإعلام بإلقاء الضوء على هؤلاء وجهودِهِم من أجل تعزيز الأمل، فإنه يمكن لها أن تلهم جيرانهم ليسيروا على خطِّىهم. ولكن إذا لم يتم الاحتفاء بأبطال المجتمع المدني، فإنهم سيكدحون في الظلام ولن ينتشر نورُهم أبدا.
الدعم الدولي هو عنصرٌ حاسمٌ آخر في ازدهار المجتمع المدني في البحرين. ولكن بعض نشطاء المجتمع المدني البحريني يشعرون بالعزلة – عزلة بسبب الشبهات التي يُنظر إليهم من خلالها من قبل المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد وجد بعضهم أذاناً صاغية في السفارة الأمريكية هنا في البحرين، في حين أن آخرين يواجهون صعوبةً في اختراق جدرانها.
فلذا، من المهم أن نلاحظ أن المشاركة مع الولايات المتحدة ليست مجرد مسألة قرع باب السفارة الأمريكية. إننا بلد مؤسسات سياسية واقتصادية وفكرية تنافسية ومنها من يتمتع بالتأثير على التطورات في العالم العربي من دون وجود فعلي في المنطقة. فكما قلتُ سابقا، هناك أصوات مؤثرة في الولايات المتحدة تؤمن جديا بفكرة الإصلاح التدريجي. هل تعلمون من هم؟ هل سبق وقمتم بتأسيس اتصال خاص ومباشر معهم؟ وسط مدارس فكرية تنافسية في واشنطن بشأن البحرين- كما ذكرت سابقا – فإن أنصار التغيير المنهجي التوافقي يبحثون عن حلفاء جادين في الميدان. هل سبق ودرستم تصريحاتهم؟ هل سبق ودعوتموهم إلى البحرين؟
المستطلع على تفاصيل زيارتي يعلم انني جئت هنا بدون دعوة رسمية للزيارة وعلى غرض التعلم وليس التعليم، وصلتني هذه الدعوة الجميلة من خلال مدتي هنا، والفت هذه المحاضرة مستعجلا، ولكني اتمنى انكم وجدتم فيها ما أفادكم.
Speak Your Mind