كتاب جديد حول الاعلام المصري منذ ثورة ٢٠١١

واجه الإعلام المصري – الذي يُعدُ من الناحية التاريخية صوتاً نابضاً وحيوياً في طيف الجدل العربي العام – تحدياتٍ صعبةٍ في الأعوام الأخيرة، ويبدو مستقبلُه غيرَ واضح. نُشِرَ مؤخراً كتابٌ جديدٌ باللغةِ الإنجليزية لـ (نعومي صقر)، بعنوان التحولات في مصر، ينير مجال تغطية الأخبار المصرية عبر التاريخ ويقيم الظروف الحالية والتوقعات المستقبلية للصحفيين المصريين على وجه الخصوص. إن (صقر) التي تتحدث كلاً من الإنجليزية والعربية تعملُ أستاذةً للسياسة الإعلامية بجامعة ويستمنستر ومديرةً لمركز “كامري” للاعلام العربي. إنها تستند إلى بحث جديد وعقود من الخبرة في تتبُع توجهات الإعلام العربي لتُقدِّمَ قراءاتٍ عن مدى كفاح وتصدي و – رغم ذلك – ابتداع الصحفيين المصريين وموظفيهم، منذ ثورة 2011.
وفي كتابة (صقر): فقد حقق الصحفيون والمدونون المستقلون شُهرةً في وقتٍ مبكرٍ في 2005، في أعقاب الانتخابات البرلمانية المصرية المزورة الأخيرة. ومع بداية الثورة بعد ستة أعوامٍ، حاولت هذه الأصوات الاستفادة من سقوط (مبارك) لإطلاق مشاريع إعلامية وقحة جديدة، بتواجدٍ كبيرٍ على الإنترنت، وقد اعتمد بعضها على صحفيين مواطنين، في تقديم تقاريرٍ ولقطاتٍ لا تُقدِم وسائل إعلام الدولة على طباعتها أو بثها. وفي هذه الأثناء، تبنت وسائل الإعلام الحكومية كذبةً فحواها أن ليس هناك من ثورة تحدُث.
إلا أن هذه المبادرات الجديدة واجهت ردَ فعلٍ عنيفٍ بعد سقوط مبارك رغم الحماس الكبير لأعمالها. وتحرك كلٌ من الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية لفرض حظر على انتقاد مؤسساتهم، ولبث مخاوف وهمية بأن وسائل الاعلام المحلية تتآمر مع عناصر أجنبية لزعزعة استقرار البلاد. ومن بين المنظمات غير الحكومية الدولية الشهيرة التي تم إغلاقها ومداهمتها من قبل الحكومة في شهر فبراير 2011، كان المركز الدولي للصحفيين، تلك المؤسسة العالمية المحترمة التي كانت تقدم التدريب وتعمل على تنمية القدرات لوسائل الإعلام المحلية تحت قيادة مراسل صحفي مصري مخضرم ومحترم. وقد وثقت (صقر) مدى عدم تصديق الصحفيين المصريين وكذلك جمهورهم بأن تعاوناً مثل هذا يمثل مؤامرة أجنبية. بل بالعكس، فقد أبدوا تقديراً للمصادر الخارجية الداعمة للإعلام المحلي وأرادوا مزيداً منها.
يقيم هذا الكتاب التوجهات الإعلامية في البلاد وينتقد بشدة البرامج الحوارية المتحيزة، والداعمة للاستقطاب السياسي بدون “إعطاء مساحة للمعلومات المتحقق منها التي يحتاجها المواطنون لتحديد اختيارات سليمة”. ويؤيد الكتاب أيضاً التحقيقات الصحفية المصرية التي أشانت القطاعين العام والخاص، لممارستهم الفساد , على غرض وضع حدٍ منه وتحقيق الأصلاح. إلا أن تقييم (صقر) قد افتقد الإشادة بقيمة التغطية الإيجابية لأولئك المصريين الذين يستحقونها، وبخاصةٍ الناشطين منهم في ميدان المجتمع المدني. ففي ظروفٍ حيث تكون الحكومة ضعيفة، أو بليدة، أو تفتقد للفصل بين السلطات، فإنه ليس بالضرورة ان تعرض المؤسسات الفاسدة للحرج من خلال التحقيقات الاستقصائية يؤدي إلى إصلاحها. وفي ظلِ ظروفٍ كهذه، يمكن أن يسبب تحقيقٍ صحفيٍ عن الممارسات الفاسدة وحده عواقب سلبية. فقد يعزز أحساس الجمهور بانعدام القوة والانهزامية، الأمر الذي تباعاً يُمَكِّنْ قوًى فاسدةً من التحرك والإفلات من العقاب. ينبغي إلحاق التحقيقات الصحفية بتغطيةٍ من “أبطال” الوقت الحاضر من المجتمع المصري، وهناك العديد منهم، الذين يمكنهم تقديم أملٍ وإلهامٍ للآخرين ليحذوا حَذوهم.
على العموم، فإن كتاب (صقر) يعرض تحليلاً حصيفاً، وكذلك لمحات موجزة رائعة عن العشرات من الكتاب والمذيعين ورجال الأعمال المصريين، الذين قد يشكلون حقاً مستقبل الإعلام المصري

Speak Your Mind

*