في عشية الهجوم المميت الذي تم شنه الأسبوع الماضي على المجلة الفرنسية شارلي إيبدو، تصاعدت وتيرة النقاش في الولايات المتحدة، بين أعضاء الجالية الإسلامية، فيما يخص ظاهرة الإرهاب الجهادي. وقد اجتمعت مجموعة من المسلمين الأمريكيين، عبر تويتر، لإنشاء «هاش تاج» ساخر بعنوان، «اعتذارات المسلمين». وفيه، غرد المسلمون باعتذارات عن الاختناقات المرورية، والعواصف المطيرة, وأحداث أخرى ليسوا بالطبع مسؤولين عنها. فكانت وسيلة عبروا من خلالها عن غضبهم من الضغوط التي كثيراً ما يواجهونها «للاعتذار» عن هجمات إرهابية لم تكن لديهم صلة مباشرة بها. كان ذلك رد فعل واضح لمنظمات مثل، «ليس بإسمي»، والتي قد أنشئت من قبل مسلمين آخرين لشجب الهجمات الإرهابية وللتأكيد على أن الإسلام هو دين التسامح.
واتهم نشطاء «اعتذارات المسلمين» غيرَ المسلمين بخلق معايير مزدوجة، حيث أن المسيحيين، على سبيل المثال، لم يواجهوا ضغوطا مماثلة لإدانة حرق القرآن وغيرها من أفعال الإسلاموفوبيا الشائنة والتي يقترفها أعضاء من ديانتهم. وتمت تغطية ظاهرة «اعتذارات المسلمين» من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، والتي يغلب عليها إبداء تعاطف كبير.
لكن منذ الأحداث الدموية الأخيرة في باريس، فقد تغير المزاج العام في الولايات المتحدة، وقد تم انتقاد المجموعة التي وراء الهاش تاج بحدة, وذلك لعدم أخذ ظاهرة الإرهاب الجهادي بجدية. فعلى سبيل المثال، قامت جنيفر بريسون، الناشطة من أجل تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين والتي تُعتبر خصماً شرساً «للإسلاموفوبيا»، بالقول أن «اعتذارات المسلمين» أساءت فهم ما تم مناشدة المسلمين للقيام به، وليس «للاعتذار» عن العنف الذين لم يرتكبوه، وإنما لشجبه، وذلك في مقال قامت بكتابته في المجلة الفكرية الأمريكية، «الخطاب العام». واستطردت قائلةً أنه على الرغم من أن مثل هذه الأعمال الإرهابية يجب إدانتها من قبل الجميع، فإن الإدانة من قبل المسلمين ذات ثقل أكبر لأنها تأتي من العقيدة الإسلامية وليست من خارجها. وأضافت أنه باعتبارها كاثوليكية متدينة، فإنها دائماً تأخذ زمام المبادرة لإدانة أعمال الإرهاب التي تُرتكب باسم المسيحية سواء تمت المناشدة للقيام بذلك أم لا.
إن هذا الجدل في المناقشة العامة الأمريكية، والذي لا يعادل بشكل مباشر ما يتم طرحه في فرنسا أو في أي مكان آخر في أوروبا، يعكس بعض الاختلافات بين جاليات المهجر الإسلامي في القارتين. إن الأمريكيين المسلمين إلى حد كبير هم أكثر ثراء من إخوانهم في أوروبا، ويشعرون بانعزالية أكثر عن الشباب الساخط والمضطرب الذين غالباً ما ينضمون إلى الأعمال الإرهابية في الغرب. كما أنها جالية مسيسة للغاية، وتمثلها منظمات إسلامية في واشنطن تدعم حركة الإخوان المسلمين الدولية، وحتى الآن لم يكن هناك رد فعل عنيف ضد «الإسلام السياسي» في الولايات المتحدة بالحجم الذي نراه الآن في فرنسا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال. (إن التحقيق الرسمي التي تجريه الحكومة البريطانية بشأن أنشطة الإخوان المسلمين في هذا البلد يصعب حتى أن يتم تخيل إجرائه من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، التي قد تطلعت إلى الأخوان المسلمين كشريك محتمل في ديموقرطة العالم العربي).
ويبقى الانتظار حتى تتم معرفة ما إذا كان هجوم شارلي إيبدو سوف يغير الديناميات الداخلية لشتات المسلمين في الولايات المتحدة أو حتى أوروبا، في تلك المسألة. ولكن كما أشارت السيدة بريسون في مقالها، فإن الحوار داخل دين معين هو أحياناً مهم، إن لم يكن أكثر أهمية، من الحوار بين الأديان
Speak Your Mind